مما قرأت واعجبني

وسطية المسلم بين التمرد والاستسلام


دكتور يوسف القرضاوي

الناس أمام "جهاد الداخل" ثلاث فئات: طرفان وواسطة.
1. الانسحابيون
فالطرف الأول: (الانسحابيون) الذين يفرُّون من هذا الميدان، أو لا يدخلونه أصلا، تاركين الطغيان يمارس نشاطه في إفساد البلاد، وإذلال العباد، والفسوق يعمل عمله في أخلاق الناس وضمائرهم، كما تعمل النار في الحطب، والغزو الفكري يفسد عقول الأمة، ويشوِّه تصوراتها، ويفسد عليها ثقافتها، ويحرِّف دينها، ويضلِّلها عن هُويَّتها.

وهم واقفون متفرجون، لا يحرِّكون ساكنا، ولا يساعدون متحرِّكا على الحركة، بل يثبِّطون المتحرِّكين، متذرِّعين بدعاوى شتَّى، ما أنزل الله بها من سلطان، ولا قام عليها من العقل ولا النقل برهان.

فمنهم مَن يقول: هذه إرادة الله في الكون، فهل نقف ضدَّ إرادته ومشيئته؟ وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وهل نحن مكلَّفون أن ننظِّم ملكه على هوانا؟ إنه سبحانه أقام العباد فيما أراد! فدَعِ الخلق للخالق، ودَعِ الملك للمالك!!

هذه نظرة بعض الصوفية (الانزوائيين) والصوفية في الإسلام: ربانية لا رهبانية، كما قال أبو الحسن الندوي. وقد ذكر الغزالي في كتاب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في إحياء علوم الدين: مواقف رائعة لعدد من الزاهدين والربانيين، أنكروا فيها على الخلفاء والأمراء، ولم يخافوا في الله لومة لائم. وهناك صوفية قادوا الجهاد ضدَّ المستعمر، مثل الأمير عبد القادر في الجزائر الذي ظلَّ سنين يقاوم الاحتلال الفرنسي.

ومنهم مَن يحتجُّ بالقرآن؛ أنه لا يضرُّه ضلال الضالين إذا اهتدى هو إلى الحقِّ، مشيرا إلى الآية الكريمة من سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرّكمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105 ].

وهذا الَفهم السيئ للآية، قد ظهر منذ عهد الخليفة الأول أبي بكر الصدِّيق، وقد أنكره وردَّه على المنبر، حين قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه: أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب من عنده" .

والآية الكريمة - لمَن تأملها - تردُّ على من استدلَّ بها؛ لأنها تربط نفي الضرر بالاهتداء {إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، ومَن ترك فريضة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومقاومة الظلم والفساد لم يكن مهتديا بيقين.
من فضلك انضم لصفحتنا على الفيس بوك ↓↓

Share انشر الموضوع على الفيس بوك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Powered by Blogger