في رحلة الطائف كان المنعطف الجديد في مسيرة الدعوة..
أرادها الرسول – صلى الله عليه وسلم – " قوة"
تدفع بالإسلام إلى الأمام لكن الله أرادها اختباراً لنبيه وأصحابه.
...
إيذاء أكبر .. واستهانة أشد .. وخطوة إلى الوراء.
4 أيام تلقّى فيها النبي والمسلمون " درساً "
مهما يؤكد أن الرسالة غالية، وتوصيلها للناس محفوف بالمخاطر
والصبر عليها هو الخير .. والأمل كله.
في الطائف كانت المفاجأة:
المسافة إلى الطائف من مكة مائة كيلو متر،
وهي بارتفاع خمسة آلاف قدم عن سطح البحر،
اصطحب النبي معه زيداً بن حارثة،
ولم يركب ناقة أو يصطحب أبا بكر، أو عمراً،
ققد كانت قريش تراقبه ليل نهار،
وقد أراد أن يضللها بخروجه على قدميه وبصحبة ابنه بالتبني آنذاك ،
وجاءت الرحلة بعد موت خديجة وأبي طالب بعد فك الحصار، وكان عُمْر النبي خمسين سنة.
استغرقت الرحلة أربعة أيام،
واتجه من فوره إلى زعماء الطائف الثلاثة ليعرض عليهم الإسلام،
فكيف كانت ردودهم عليهم؟
الأول، قال له: أما وجد الله من هو خير منك يرسله؟
وقال له الثاني: إما أن تكون نبياً حقاً فأنت أعظم من أن أتكلم معك.
ويقول له الثالث: والله لو رأيتك متعلقاً بأستار الكعبة تقسم أنك نبي ما صدقتك.
فقال النبي: إن أبيتم الإسلام وإن أبيتم الحماية فلا تخبروا قريشاً أني جئت أستعين بكم عليهم.
فقالوا: والله لنخبرنهم، قم يا فلان وخذ فرسك واسبقه إلى مكة
وأخبر قريشاً أن محمداً جاء يستعين بنا عليهم وأننا رفضناه.
فقال النبي: إن أبيتم الحماية وأبيتم إلا أن تخبروا قريشاً فدعوني أرحل.
قالوا: لا، والله لن تعود حتى تُرجم بالحجارة، حتى لا تأتي هنا مرة أخرى،
وقالوا لهم إن محمداً سيعبر هذا الطريق،
فقفوا له في صفين وأمطروه بالحجارة والرمل.
ويهرول النبي والحجارة تلاحقه من كل اتجاه،
وزيد يحتضنه حتى يتلقى الحجارة عنه، ورأس زيد ينزف ،
وقدما النبي تنزفان بالدماء.
أشكو إليك ضعف قوتي
لماذا ترك الله نبيه يواجه هذه المحنة؟
- ليعرف المؤمنون أن الرسالة غالية، وأن ثمن توصيلها للناس غال،،
ويبحث النبي عن مكان يختبئ به ممن يتعقبونه بالحجارة،
فيجد بستاناً صغيراً يدخله، فيرفع يديه إلى السماء ويقول :
" اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي
وهواني على الناس يا أرحم الراحمين،
أنت رب المستضعفين وربي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني،
أم إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي،
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات،
وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك،
لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك".
فيأتي طفل صغير اسمه " عدّاس" من العراق من " نينوى" يعمل خادماً
لدى أصحاب البستان عتبة وشيبة بن ربيعة وهما من أعداء النبي
لكن الله رفّق قلبيهما له في هذا الموقف،
قالا: يا عداس خذ هذا القطف من العنب وأطعمه محمداً.
وقد مات عتبة وشيبة كافرين في غزوة بدر رغم ذلك.
أخذ عداس العنب وذهب إلى النبي " صلى الله عليه وسلم" ووضع العنب أمامه.
أخذ النبي حبة من العنب وقال بصوت مسموع: بسم الله،
فقال له عداس: إن هذه الكلمة لا يقولها أهل هذه البلاد،
فنظر إليه النبي وقال له: ما اسمك؟ قال عداس.
فقال له النبي : فمن أي البلاد أنت يا عدّاس؟
قال : من نينوى، فقال النبي : من بلد الرجل الصالح يونس بن متى؟
فقال عدّاس: أو تعرف يونس بن متى؟ فقال النبي نعم ذلك آخى،
كان نبياً وأنا نبي، فانكب عدّاس على قدم النبي يقبلهما،
وبعد ذلك بأسبوع حدث الإسراء والمعراج
وصعد النبي إلى السماء ليعرف مقامه في السماء.
ويخرج النبي من البستان عائداً إلى مكة.
الرحمة المهداة
تسأل السيدة عائشة النبي قبيل موته:
ما أشد يوماً مر عليك يا رسول الله ؟
- قال: بعد عودتي من الطائف وأنا بقرن الثعالب أهيم على وجهي. "
قرن الثعالب مكان على الطريق بين الطائف ومكة" ...
في هذا المكان ينزل عليه جبريل ومعه ملك الجبال
" وهي أول مرة يرى فيها ملكاً غير جبريل" ويقول له جبريل:
يا محمد إن الله سمع مقولة قومك لك ومقولتك لقومك
وقد أرسل معي ملك الجبال لتأمره بما شئت. ويقول له ملك الجبال:
لو شئت الآن أُطبق عليهم الأخشبين، قال النبي: لا..
عسى الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله ،
ويتعجب ملك الجبال ويقول للنبي : صدق من سمّاك رؤوف رحيم.
يقول الله تعالى:
" لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم
حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم".
خرج النبي يوماً وغاب، وحين عاد وجد خادمه ثوبان يبكي،
فقال النبي: ما يبكيك يا ثوبان، قال: اشتقت إليك يا رسول الله،
فقال النبي: أهذا ما أبكاك يا ثوبان،
قال لا يا رسول الله. قال: فما أبكاك؟ ..
قال يا رسول الله الدنيا زائلة فتذكرت الجنة ومقامي في قاع الجنة
أو وسطها فأين مقامي من مقامك في أعلى الجنة يا رسول الله؟
فقلت: هل سأراه في الجنة؟ فأوحشتني فبكيت يا رسول.
فنزل قول الله تبارك وتعالى:
" ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم
من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" ،
ففرح ثوبان لأنه سيكون مع النبي في أعلى الجنة ولن يفترق عنه.
كيف آمن الجن
ويعود النبي بعد أن رفض أن يهلك ملك الجبال قومه،
فيصلي قيام الليل، فتأتي مجموعة من الجن فتسمع القرآن
فتتأثر به فتؤمن. وينزل القرآن ليحكي هذا الموقف في سورة الأحقاف:
" وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه
قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلي قومهم منذرين قالوا
يا قومنا إنّا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه
يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعى الله ....".
النبي " صلى الله عليه وسلم " أراد الإنس ، وأراد الله الجن،
أراد النبي أشراف القوم في الطائف، وأراد الله عدّاس الصغير،
أراد النبي " صلى الله عليه وسلم" الطائف وأراد الله المدينة.
أنت تبذل المجهود وتخطط، لكن الله يفتح الباب الذي يريد.
الله سبحانه وتعالى يحب أن يأتي النصر من حيث أراد الله سبحانه.
حديث النبي:
" يرزقه من حيث لا يحتسب"
لكي نعرف أنه الوكيل الذي يفتح طريقاً لم يتوقعه أحد.
العودة إلى مكة
الملاحظ في هذه الرحلة أن النبي " صلى الله عليه وسلم"
قد تعرّف في رحلة الطائف على كائنات جديدة،
عدّاس من خارج الجزيرة العربية، وهو أول من أسلم من خارج الجزيرة،
وملك الجبال، والجن، حيث عرف النبي لأول مرة أن رسالته موجهة
إلى الجن أيضاً وكأن الله أراد أن يهون عليه ما حدث في الطائف،
فقال له سأعرفك على كائنات أخرى، تحبك يا محمد، لأن مُلكي واسع جداً،
ما أتفه الطائف إلى جواره، الذي رفع الروح المعنوية للنبي:
طفل وملك وجن، كأن الله يبشره أنت منصور لأنني مالك الملك،
وما تعرضت له يا محمد كان مهماً لأجل الأجيال التي ستأتي بعدك.
وصل النبي إلى حدود مكة، فيقول له زيد بن حارثة:
يا رسول الله كيف ستدخل عليهم وقد علموا بما حدث؟
فقال النبي: إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً،
وإن الله ناصر دينه ومعز نبيه، وقال له: يا زيد اذهب إلى قبيلة كذا،
أراد النبي أن يعمل على تناقضات الوضع السياسي في مكة،
وفكّر في أن تقوم إحدى القبائل بحمايته أثناء دخوله لتأخذ شرفاً ضد قريش.
فيذهب زيد لأول قبيلة فترفض،
ويذهب للقبيلة الثانية فيرفض سهيل بن عمرو،
ويذهب للقبيلة الثالثة: فترفضه، كل هذا والنبي واقف ينظر خارج مكة،
فيقول له: اذهب إلى مطعم بن عدي ، فيوافق مطعم على حماية محمد،
فيلبس أبناؤه الدروع ليحموا النبي خلال توجهه إلى بيته ..
ويذهب أبو جهل إلى مطعم بن عدي ويقول له: يا مطعم أمتبع له؟
أم مجير فقط؟ ، فقال بل مجير فقط؟
فقال: إذن نقبل فيدخل النبي إلى مكة ويطوف بالكعبة
قبل أن يتوجه إلى بيته.
وتنتهي رحلة الطائف.
لـــــ الداعية أ.عمرو خالد ..