كان لـ " إسلام أون لاين " الحوار التالي مع مفتي تشاد ، الذي أكد فيه على أن الدعاة في تشاد يعملون تطوعيا بلا رواتب، وأن الدولة غير مسئولة عن مسار الدعوة في البلاد لأن دستورها علماني، وأن الشعب التشادي صوفي ولكن رغم ذلك فقد حارب من يريدون إقامة الموالد، كما أن ما يسميها " الوهابية " لم تنجح حتى الآن في تشاد رغم كثرة الأموال التي تنفق، إلى غير ذلك من الأمور التي تحدث عنها مفتي تشاد في سياق الحوار التالي:
* نود إلقاء الضوء على التعليم الديني في تشاد؟
- التعليم الإسلامي داخل تشاد مبني على النمط القديم من خلوات قرآنية كقنوات للتعليم ثم الحلقات العلمية التي تعقد غالبا في المساجد والزوايا ويقودها شيوخ من العلماء ويدرسون العلوم الشرعية الفقه والتفسير والحديث واللغة العربية والعقيدة الإسلامية، وما زال هذا النمط هو السائد في تعليم المسلمين في القرى وغير المحافظات، أما في المحافظات فتوجد مدارس رسمية طبقا للنمط الحديث، سواء حكومية أو أهلية، أما المعظم فما زالوا يعتمدون على الخلوات والحلقات القرآنية، وحلقات العلم في المساجد، فعندنا الحلقات القرىنية الأساس في التعليم الديني، وعندما يكون هناك شخص له مقدرة مادية فيقوم بعمل حلقة قرآنية في بيته.
أما المرحلة الجامعية فالطالب عندما يبلغ خمس سنوات يدرس في المدارس لكن هذا النوع غير متوفر للجميع نتيجة للحالة المادية وكذلك البعد الجغرافي، وصعوبة الانتقال، ولذلك فنسبة التعليم الرسمي لا تتجاوز حوالي 40%، ونصف هذا التعليم هو ديني، وهناك تعليم ديني جامعي تمثله جامعة الملك فيصل الإسلامية التي بها كليات للغة العربية والحقوق والقراءات.
* وما هو دور المنظمات الإسلامية في تشاد؟
- المنظمات الإسلامية دورها كبير لأن تشاد دستورها علماني فلا يعطيك ولا يمنعك، فالدولة لا تعطي أموالا للدعاة والدعوة، لكنها لا تمنع أخذ الأموال من المنظمات الإسلامية، ولذلك فدور تلك المنظمات في تشاد حيوي يتمثل في بناء المساجد وتأسيس المدارس الأهلية والخلوات القرآنية وحفر الآبار، وهناك عدة منظمات نشطة في تشاد منها المنظمة الكويتية "الهيئة الخيرية الإسلامية بالكويت"، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية الليبية حيث كفلت 600 معلماً للقرآن واللغة العربية لأكثر من عشر سنوات، وكذلك منظمة الدعوة الإسلامية السودانية لها مكتب دائم في تشاد بجوار جامعة الملك فيصل.
المشاركة السياسية
* مرت تشاد بالعديد من الظروف السياسية، وكان الحكم غير مستقر ، نود التعرف على مظاهر مشاركة للمسلمين في نظام الحكم بتشاد، وإلى أي مدى وصلت؟
- الديمقراطية في تشاد تعد وليدة العصر الحالي حيث مرت تشاد بحكومات ديكتاتورية، وسيادة الحزب الواحد استمرت عشر سنين، ولم تعرف الأحزاب إلا بتولي الرئيس الحالي أدريس ديبي إتنو الحكم، حيث أسس المؤتمر الوطني للم شمل المواطنين، وغير من دستور البلاد قريبا، وأصبح لدينا 120 حزبا في تشاد، والحزب الحاكم هو جبهة الإنقاذ الوطنية.
أما المسلمون فهم أساس الحكم في تشاد حيث أن الإسلام دخل تشاد عام 46 هجريا على يد عقبة بن نافع قبل أن يذهب إلى تونس، حيث كان يحكم تشاد مملكة كانم الوثنية، واستمر الإسلام طواعية وانتشر بتشاد حتى الآن، وما من يوم جمعة يمر إلا دخل الإسلام عشرات وربما المئات وخاصة في الجنوب ، إذ تجد قرى بأكملها تسلم وحتى قساوسة في الكنائس يسلمون، فتغلق كنائس ويبنى مكانها مساجد، والمسيحيون لا يتعدون 15 % فقط من تعداد السكان، وأصبح المسلمون هم الأغلبية ويصل عددهم 85% وليس كما يذكر في الانترنت بأنهم من 40 إلى 60 %، ويشاركون فعلياً في السياسة حيث قاموا بالتصويت على تغيير الدستور من خلال استفتاء شعبي جعل اللغة العربية لغة رسمية، كما يمثلون الأغلبية في الأحزاب المختلفة.
* وما أكثر الدولة الداعمة للمسلمين في المجتمع التشادي؟
- منذ أن أسست الثورة هناك دولتان فقط يدعمان تشاد هما ليبيا والسودان، فالسودان تمنحنا الأرض، وليبيا تمنحنا المال والسلاح إلى أن وصلنا إلى إزاحة المسيحية من السلطة، ونقلها إلى أيد المسلمين.
دعوة مجانية
* إذا انتقلنا إلى الدعوة في تشاد، نود التعرف على كيفية مسار الدعوة الإسلامية في تشاد؟
- تشاد كانت قبل عشرين عاما ليس بها أي جهة تختص بمسألة الدعوة الإسلامية، ولكن عندما جاء الرئيس أدريس ديبي إتنو تم تأسيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وهو بمثابة وزارة أوقاف، وهذا المجلس له فروع في كل المحافظات والمقاطعات فلدينا 225 مقاطعة، و53 محافظة، و22 ولاية، وكلها بها فروع للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية. وكانت المساجد قبل أربعين عاما في العاصمة إنجمينا أربعة مساجد أما الآن ففيها 465 مسجدا ، أما تشاد كلها فهناك مساجد كثيرة لا يمكن أن نحصيها.
* وماذا عن حال الدعاة ماديا؟
- الدعاة الموجودون في المساجد ، الدولة غير مسئولة عنهم ماديا ، والعمل بالدعوة والمناصب الدينية في تشاد كله تطوعي، فأنا كمفتي للدولة وقاضي في الأحوال الشخصية لا أستلم راتباً بحكم الدستور، وأعيش منذ صغري على التجارة، فالمناصب الدينية ليس لها مرتبات ولا رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ونأمل تغيير هذا الوضع، خاصة وأن رئيس الدولة بدأ الانتباه لمسألة الدعوة فبنى مسجداً كبير في كل محافظة بلغت حتى الآن عشرين مسجدا، وبدأ يساعد الأئمة لكن بدون رواتب.
التشدد والتطرف
* عانت كثير من الدول ظهور فئات متشددة دينية، فهل تمر تشاد بمثل هذا الأمر؟
- التطرف والتشدد موجود في كل مكان حتى عندنا في تشاد رغم الظروف المادية الصعبة، إلا أنه لا يأخذ نفس الشدة التي نسمع عنها في الدول الأخرى كنيجيريا التي يسبب التطرف الديني فيه إلى حروب وسفك دماء، ونواجه التطرف بالتصدي له بالعلم.
* وما هي مظاهر التطرف التي ظهرت في تشاد؟
- الشعب التشادي بطبيعة الحال صوفي منذ مئات السنين، لكن جاءت الدعوة الوهابية مؤخرا وسببت الخلافات بين المسلمين، حيث أن الشعب التشادي صوفي ويتبعون الطريقة التيجانية.
أما الفكر المنحرف فلم يظهر في تشاد إلا من خلال أناس انشقوا وأسسوا طريقة تسمى "الفيض الجاري" وبدأوا يقومون بأفعال مخالفة للشريعة وأقاموا الموالد التي يرقصون فيها، وما وجدوا إلا الأطفال وأناس جهال، فواجهنا تلك الطريقة، وقررت الدولة حظر تلك الطريقة.
* وماذا عن وجود "الوهابية" في تشاد اليوم؟
- "الوهابية" ما زالت موجودة وتحاول الانتشار لأن معها المادة، وبعض المنظمات الخيرية تحاول نشرها من خلال الأعمال الخيرية، ومن أجل المادة قد يتبع أناس الوهابية، لكنها لم تدخل في قلب أحد، والأعداد التابعة لها قليلة.
* وهل يوجد في ظل هذا تضارب في الفتوى؟
- تشاد لم تعرف يوما التضارب في الفتوى أو الخلاف المذهبي حيث أن المجتمع التشادي كله يؤمن بالمذهب المالكي.
* وبماذا تنصحون الدول التي تعاني من تضارب الفتوى؟
- كان لي شيخ في الأزهر هو الدكتور مصطفى الشكعة لديه كتاب "إسلام بلا مذاهب" وفيه عالج قضية الانقسامات وكيف أن الإسلام واحد والمذاهب ما هي إلا وسيلة للوصول لأفضل عبادة لله وليس للتناحر بها، ولا بد من نشر الوعي في دولنا الإسلامية بالأمر الإلهي للمسلمين بعدم التفرق والتناحر حيث يقول "ولا تفرقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، فالتضارب والتعصب المذهبي يؤدي إلى عدم الاحترام بين الطوائف الدينية.
* وفي أي موضوعات تفتي بها في تشاد؟
- أنا أفتي في قضايا الأحوال الشخصية "الطلاق والنكاح والميراث" ولا نفتي في أي موضوعات سياسية إلا في الحلال والحرام، كما إننا مسئولون عن رؤية رمضان، فنحدد رؤية هلال رمضان بأي دولة إسلامية ثبت لديها شرعا رؤية الهلال فنحن نصوم معها، ولا نأخذ بالأمور الحسابية، ونتمنى لو أن الدول الإسلامية جميعا تصوم في يوم واحد لأن هذا هو الأصل. يعتبر الشيخ على أحمد طه مفتي تشاد الرجل الثاني في مجال الدعوة والإرشاد الديني بعد الشيخ أبو بكر حسين رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تعلم في كتاتيب تشاد منذ الصغر وظل في حلقات العلم وذاع صيته حتى وصل إلى منصب مفتي الدولة، وهو منصب رسمي ليس له راتب من الدولة، ولذلك فإن حياة مفتي الدولة بسيطة.